يروي الصحفي مارك تاونسند قصة شبكة سودانية استثنائية تعمل في الظل، حيث صار فعل الخير نفسه جريمة قد تكلّف صاحبها حياته. في بلد يعيش أسوأ أزمة إنسانية في العالم، يخاطر آلاف المتطوعين بحياتهم يوميًا لإيصال الغذاء والرعاية الطبية لملايين المدنيين، مدفوعين بدافع واحد بسيط: المساعدة، لا المجد ولا الجوائز.

 

سلطت صحيفة الجارديان الضوء على شبكة «غرف الاستجابة الطارئة» في السودان، التي تحولت إلى شريان حياة حقيقي في ظل انهيار الدولة.

 

العمل الإنساني جريمة

 

تجسد أميرة، وهي متطوعة شابة، واقع العمل الإنساني في السودان. تعبر كل صباح خطوط تماس متحركة في ولاية شمال كردفان، متسللة إلى مناطق تسيطر عليها قوات الدعم السريع، وهي قوات شبه عسكرية ارتكبت جرائم حرب واسعة، بينها الإبادة الجماعية. تخفي أميرة وجهتها عن الجميع، حتى عن والدتها، لأن مجرد المعرفة قد يعرّض العائلة للخطر. تقول إنها تدخل وتأمل فقط أن تعود سالمة.

 

تقضي أميرة نهارها في تقديم الدعم النفسي للنساء والأطفال الناجين من الاغتصاب، ثم تعود ليلًا إلى مناطق يسيطر عليها الجيش. ينظر الطرفان إليها بريبة، ويخضعانها للاستجواب المتكرر، ويسألانها عن مصدر الأموال التي تستخدمها. في السودان، لا تحمي الحيادية أحدًا؛ كل طرف يريد ولاءً صريحًا، وأي عمل إنساني يُقرأ كتهديد سياسي.

 

شبكة شعبية تعوّض غياب الدولة

 

وسط هذا الخوف، نشأت واحدة من أكثر القصص إلهامًا في عام 2025. انتشرت شبكة «غرف الاستجابة الطارئة» في أنحاء السودان، معتمدة على مبادرات قاعدية يقودها مواطنون عاديون. توفّر هذه الشبكة الغذاء والرعاية الطبية لملايين الأشخاص، حتى بدت وكأنها حلّت محل الدولة المنهارة.

 

وحّدت هذه الجهود بلدًا مزقته الحرب، متجاوزة الانقسامات العرقية والمناطقية. يرى محللون أن هذه الشبكة تشكل حجر الأساس لأي مستقبل ما بعد الحرب، لأنها تمثل رفضًا صريحًا لسلطة السلاح التي دفعت أكثر من 12 مليون شخص إلى النزوح. رغم ترشيح الشبكة لجائزة نوبل للسلام هذا العام، لم يفز المتطوعون بها، وهو أمر لم يبدُ أنه يعنيهم كثيرًا. يقول أحدهم، جمال: «نحن فقط نريد أن نساعد».

 

لكن ثمن المساعدة فادح. تطارد القوات المتحاربة المتطوعين، وتعتقلهم، وتخفي بعضهم قسرًا، وتعذّب آخرين أو تعدمهم. تشير تقديرات إلى مقتل ما لا يقل عن 145 متطوعًا. في مناطق واسعة بلا اتصال، يستحيل توثيق حجم الجرائم بالكامل.

 

الثقة الشعبية في مواجهة السلاح

 

يروي متطوعون مثل السنوسي آدم قصصًا عن أصدقاء اعتُقلوا وعُذّبوا حتى الموت لمجرد دعمهم الشبكة. يؤكد آخرون أن السجون، مثل سجن شالا في الفاشر، تضم عشرات المتطوعين. ومع ذلك، يواصل المتطوعون عملهم، مدفوعين بدعم مجتمعاتهم المحلية.

 

هذا الدعم الشعبي قد يزيد من حساسية الأطراف المسلحة تجاههم، لكنه كثيرًا ما ينقذ حياتهم. يروي جمال كيف اعتقلته قوات أثناء توزيعه الطعام في جنوب كردفان، وعذّبته بتهم التعاون مع جهات خارجية. لم يطلق سراحه إلا بعد تعبئة واسعة من سكان المنطقة. يقول إن الحماية الحقيقية تأتي من الناس أنفسهم، لا من أي جهة رسمية.

 

رغم تصاعد العنف، يزداد عدد المتطوعين يومًا بعد يوم. انضم نحو 26 ألف متطوع حتى الآن، في بلد يواجه فيه 21.2 مليون شخص انعدامًا حادًا في الأمن الغذائي، ويقترب سبعة ملايين من المجاعة. يشكل الشباب غالبية المتطوعين، وتمثل النساء 40% منهم، رغم مخاطر العنف الجنسي.

 

تعمل الشبكة اليوم في 96 من أصل 118 منطقة، وقدمت المساعدة لأكثر من 29 مليون سوداني. لكن نجاحها جعلها هدفًا أكبر، إذ تخشى الأطراف المسلحة من النفوذ والثقة اللذين اكتسبتهما داخل المجتمعات.

 

يعاني المتطوعون أيضًا من نقص حاد في التمويل. حصلوا على أقل من 1% من إجمالي المساعدات الدولية للسودان، رغم قدرتهم على إيصال الدعم بتكلفة أقل بكثير من الوكالات الأممية. بعد تجميد المساعدات الأميركية هذا العام، أُغلقت مئات مطابخ الحساء المجتمعية.

 

مع ذلك، يواصلون العمل بما توفر. يوضح سامر، أحد المتطوعين، أن الأموال القليلة تُوجَّه مباشرة إلى المناطق الأشد حاجة. خلال زيارة سرية إلى لندن، تعهدت وزيرة الخارجية البريطانية بتقديم دعم مباشر لهم، وأكدت الحكومة البريطانية فخرها بمساندة عملهم الحيوي.

 

بالنسبة لجمال، لا تمثل جائزة نوبل شرفًا شخصيًا بقدر ما تمثل درعًا واقيًا. يرى أن الاعتراف الدولي قد يوفر حماية للمتطوعين. أما أميرة، فقررت في النهاية ألا تنتظر حماية الخارج، وأخبرت عائلتها بحقيقتها. تقول إن والدتها لم تفخر بها يومًا كما تفخر بها الآن، في بلد صار فيه الأمل نفسه فعل شجاعة.

https://www.theguardian.com/global-development/2025/dec/24/sudan-war-volunteers-emergency-response-rooms-aid-food-medicine#:~:text=It%20is%20against%20this%20backdrop,her%20mother%20she%20had%20joined.